محمود عبد اللطيف – شام تايمز
يمتهن عدد كبير من السكان المحليين في المحافظات الشرقية، تجارة “المشتقات النفطية”، المكررة بشكل بدائي، والحصول على البضاعة ليس مسألة معقدة بالنسبة لهم في ظل استغلال “قوات سورية الديمقراطية”، للحقول النفطية الأساسية في سورية بطريقة غير شرعية، إذ تعمل مجموعات في ريف دير الزور الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، على توزيع “النفط الخام”، على أصحاب “الحراقات البدائية”، الذين يقومون بدورهم بتكرير النفط، وبيعه لتجار “المفرق”.
“الضبع”.. وآخرون
يعد “هويدي الضبع”، المعروف بـلقب “جوجو”، واحد من أكبر تجار النفط الخام في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، وهو إحدى الشخصيات التي ظهرت خلال فترة الأزمة السورية كأحد قادة ميليشيا “الجيش الحر”، ثم أعلن بيعته للنصرة ومن بعدها لتنظيم “داعش”، واعتزال الأعمال القتالية بعد إجراء “تسوية وضع”، مع “قوات سورية الديمقراطية”، التي سيطرت على بلدته “خشام”، الواقعة بريف دير الزور الشمالي قبل نحو “عامين”، إلا أن “جوجو”، الذي تأثرت تجارته النفطية بخسارة الآبار الواقعة إلى الشمال من بلدته، عاد لحمل السلاح برفقة عدد يصل إلى 100 شخص، في وجه “قسد”، وسيطر خلال صيف العام 2018 على الآبار، وبعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت بينه وقادة من “قسد”، برعاية أمريكية داخل حقل العمر في آب من العام نفسه، تحول “جوجو”، إلى عرّاب لتجارة النفط الخام في عموم ريف دير الزور الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، والجزء الأكبر من الأرباح يعود إلى “قسد”.
تجارة النفط الخام من قبل شخصيات مرتبطة بـ “قسد”، في ريف الحسكة والرقة، تؤمن أيضاً لأصحاب الحراقات المنتشرة شرق “جبل كوكب”، بريف الحسكة الشرقي، وفي محيط مدينة “الشدادي”، بالريف الجنوبي، الكميات اللازمة للتكرير، كما يتم نقل كميات كبيرة من المواد النفطية المكررة بشكل بدائي إلى ريف دير الزور الغربي والمناطق التي تحلتها “قسد”، في محافظة الرقة، ويعتمد السكان على هذه المشتقات نتيجة لارتفاع اسعار المحروقات القادمة من مناطق سيطرة الدولة السورية مقارنة بأسعار البدائي من المحروقات، كما إن السكان يعتمدون بشكل أساسي على “زيت الكاز”، كبديل عن الغاز المنزلي لانعدام توافر هذه المادة في أسواق الرقة ودير الزور بالكميات الكافية أو بالأسعار المناسبة.
بحسب المعلومات التي حصل عليها ” شام تايمز”، فإن كميات النفط الخام التي تباع من قبل “قسد”، لأصحاب “الحراقات”، لا تزيد عن 5% فقط من إجمالي النفط السوري الذي يستجر يومياً بطريقة غير شرعية من الحقول الأساسية لصالح “قسد”، إذ تعتمد القوات المدعومة من قبل التحالف الأمريكي على النفط والغاز الطبيعي المهرب إلى إقليم شمال العراق “كردستان”، و إلى المناطق التي تحتلها قوات النظام التركي والميليشيات الموالية له في ريف حلب من خلال معبري “أم جلود – عون الدادات”، الواقعين إلى الشمال من مدينة “منبج”، في تأمين التمويل الذاتي لها، وبأسعار منخفضة للغاية مقارنة بالأسواق العالمية، إذ تبيع برميل النفط الخام بما يعادل 30 دولاراً فقط، في حين أن السعر العالمي يبلغ 56 دولار، كما تبيع المتر المكعب من الغاز الطبيعي بسعر دولار واحد فيما يسجل سعره في الأسواق العالمية بما يقارب 1.6 دولار.
بسطات لبيع النفط
خلال الشهر الماضي عمدت “قسد”، إلى محاربة “البسطات”، والمحال التجارية التي تقوم ببيع المشتقات النفطية في مدينة الرقة، إلا أن الأمر لم يعجب السكان المحليين في المدينة التي تحتلها “قوات سورية الديمقراطية”، منذ أيلول من العام 2017، وعلى سبيل المثال يقول “أبو أدهم”، أن الوقوف لساعات طويلة في طوابير أمام محطات بيع الوقود في المدينة أمر مرهق، ولا تؤمن هذه المحطات الكميات الكافية للسكان، فهي على سبيل المثال تبيع مادة المازوت للفلاحين تبعا لمساحة الأرض ومن خلال موافقة موقعة مما يسمى بـ “المجلس المدني في الرقة”، ولكل دونم من الأراضي الزراعية خصصت كمية 6 ليتر سنوياً، وهي كمية غير كافية، إذ تحتاج عملية ري المساحات الزراعية لتشغيل محركات الضخ لفترات طويلة، وبالتالي استهلال كميات أكبر مما تخصصه “قسد”.
وتقول “آمنة الطحطوح”، التي تقيم في “الرقة”، منذ أن نزحت من قريتها الواقعة بريف دير الزور قبل عامين، إن الحصول على “الكاز”، من “البسطات”، أفضل من وقوف النساء على طوابير “الكازية”، لمدة طويلة قد لا ينتج عنها شيء، وتؤكد أن اعتمادها على هذه المادة في تشغيل “البوبر”، عوضاً عن استخدام “اسطوانات الغاز المنزلي”، جاء نتيجة لارتفاع أسعار اسطوانات الغاز التي تصل إلى مدينة الرقة ووصولها في بعض الأحيان إلى 15 ألف ليرة سورية، في حين إن ليتراً واحداً من “الكاز”، يكفي لمدة يومين تقريبا وبسعر 175 ليرة سورية.
ويقول “طه المحيميد”، بأنه واحد من عشرات الشبان الذين يعملون في بيع المشتقات النفطية المكررة بشكل بدائي، ويستخدم دراجته الثلاثية العجلات التي تعرف محلياً باسم “الطريزينة”، بنقل المواد النفطية التي يشتريها من أحد أصحاب الحراقات في بلدة “خشام”، بريف دير الزور الشمالي، إلى مكان وقوفه على الطرقات العامة الواصلة بين “خشام”، وعموم ريف دير الزور، كما إنه ينقل كميات مماثلة خلال فترة المساء إلى محل صغير يمتلكه أخيه في بلدة “الحصان”، بريف الزور الغربي، ليقوم هو الآخر ببيعها للسكان المحليين بأسعار مناسبة قياساً على بقية اسعار السوق.
يتراوح سعر ليتر المازوت بين 75 – 175 ليرة وبحسب المنطقة، فيما يبلغ سعر البنزين المكرر ما بين 200 – 350 ليرة سورية، فالمناطق الواقعة شمال محافظة الحسكة تشهد انخفاضاً في أسعار المشتقات النفطية مقارنة بمناطق ريف دير الزور والرقة، ولا يوجد تفسير لهذه الفوارق في الأسعار على الرغم من التشابه الكبير في المواد المطروحة في أسواق هذه المنطقة، في حين أن سعر البنزين المكرر بشكل نظامي يصل إلى 600 ليرة سورية.
بين ضفتين
تؤكد مصادر أهلية أن التجار المرتبطين بالقيادات المحلية لـ “قوات سورية الديمقراطية”، في مناطق “شرق الفرات”، هم المسؤولين بشكل أساسي عن تجارة المشتقات النفطية بين ضفتي نهر الفرات، ومن خلال أساليب متعددة، يتم نقل كميات من هذه المشتقات لبيعها من قبل تجار السوق السوداء في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية على الضفة الغربية للنهر، ويتم الاعتماد على هذه المشتقات في عملية ري الحقول الزراعية بشكل أساسي، إضافة لتشغيل الآليات لكون أسعارها أقل بكثير من أسعار المحروقات المكررة بشكل نظامي.
يتم نقل المشتقات النفطية بشكل أساسي من خلال “العبارات النهرية”، وهي سفن صغيرة تنتقل بين ضفتي النهر كميات تصل حولتها إلى 3 طن، كما قام بعض التجار في مناطق متعددة مثل “الشحيل”، باستخدام أنابيب الري الزراعية لمدها بين ضفتي النهر لنقل المشتقات النفطية، إلا أن هذه العملية تواجه باستمرار حملات من قبل “قسد”، و “قوات الاحتلال الأمريكي”، لتدمير وسائل نقل النفط إلى “غرب الفرات”.