شام تايمز – سارة المقداد
حملوا الهمَّ مبكراً وصاغوا منه في أدمغتهم أولويّات غير مرتبة بشكلها المنطقي لشباب في عمرهم، بعد ما اندثرت في بلادنا العديد من أحلام الشبّاب، وغزى الشيب نصف رؤوسهم، لكن وعلى الرغم من كل الصعوبات التي انتجتها حرب السنوات التسع، إلا أن البعض ما يزال يحافظ على شغفه وإصراره لتحويل بصيص الأمل بفكرة أو مشروع ما، إلى واقع وعمل حقيقي.
يقول المهندس المعماري وفنان الحرفة الدمشقية “الفرحتيان” هوزام فرحات لـ “شام تايمز” حول مشروعه “فراغات” إنه حاول من خلاله عكس الزخرفة الإسلامية عموماً والدمشقية خصوصاً على المعدن من خلال صنع منتجات نحاسية فنيّة تحاكي البيئة الدمشقية، بالإستعانة بحرفة “الأركت” المصرية المأخوذة من الحضارة الفرعونية القديمة، بالإضافة لتوثيق مراحل صنع هذه القطع عن طريق تصوير فيديو وثائقي يشرح مراحل عمل وكيفية الوصول إلى المنتج النهائي، من أجل الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي حسب اتفاقية اليونسكو 2003، ولنقل هذه الخبرات سنعمل على إقامة دورات تدريبية للأشخاص المهتمين بالزخرفة والأعمال الحرفية والباحثين عن عمل، وذلك من أجل رفع قيمة سوريا نحو الأفضل والإحساس بهويتنا والشعور باستمرارها.
وأشار “فرحتيان” خلال حديثه عن النحاسيات إلى أنه يجب على الجميع امتلاك قطعة دمشقية تقليدية في منزله ولكن الأغلبية لا يستطيع اقتنائها أولاً لأنها أصبحت قديمة، وكلما زاد عمر القطعة المشغولة قديماً زاد ثمنها فتعتبر انتيكا، منوّهاً إلى أن القطع الفنية التراثية الموجودة في السوق، كبيرة الحجم تصلح للزينة في المطاعم والكافيهات والفنادق الفخمة وأصبحت من الكماليات.. لذلك جاء مشروع فراغات ليتيح الفرصة للأعمال التراثية أن تكون صغيرة الحجم مستوحاة من التراث القديم بطريقة عصرية وبأسعار مقبولة نوعاً ما.
وحول استطاعة الشاب السوري على البدء بمشروع فني، بيّن المهندس المعماري أنه من المستحيل غالباً البدء بمشروع لديه على الأقل الأدوات اللازمة لصنع قطع فنية بجودة مناسبة، إلا بالاستعانة بطرف خارجي كممول فردي أو منحة من قبل منظمة أو جمعية كما الحال في فراغات فلولا منظمة المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية (IECD) لما كان المشروع رأى النور.
ومن الناحية المادية، نوّه “فرحتيان” إلى أن المشاريع الفنية قادرة على سد احتياجات من يعمل بها، في حال استيفاء مجموعة شروط، أولها أن يكون صاحب المشروع على دراية بالسوق من حيث النقص فيه لسدّه وماذا يجب أن يقدّم كشيء مختلف يراعي جميع الأذواق، مشيراً إلى تفضيله أن يكون الفن من أجل المجتمع ولا مانع أن يكون من أجل الفن فقط، الشرط الثاني أن يكون عرض المنتج واضح وصريح (تصوير المنتج للعرض) كالمشروعات على وسائل التواصل وليس على أرض الواقع لأننا اليوم ليس كالأمس نبحث في المتاجر عن الشيء الذي يعجبنا، بل نختار بلمسة على شاشة الموبايل.
بدوره قال المخرج البصري “دلس كحيلا” لـ “شام تايمز” إن المشاريع الفنية غير قادرة على سد احتياجات من يعمل بها، مشيراً إلى ظنه بأنّ اللوحات الفنّية التقليدية تراجع سوقها بشكل كبير جداً وحتى الطلب عليها أصبح نادراً.
وأشار “كحيلا” إلى أن الفنّ إجمالاً يعيش اليوم حالة ركود كما هي باقي القطاعات في سوريا، فالفنّان يتلقى دعمه عادةً من مجتمعه ومن دولته، ولكن في ظلّ هذه الظروف لا يمكن لأحد أن يهتم بالفنّ أكثر من الطعام أو السكن مثلاً. لذلك بالطبع ثمّة الكثير من الصعوبات أوّلها يتعلق بالسوق وإمكانية تصريف المنتوجات الفنّية وليس آخرها الأجواء العامّة التي تقوّض كلّ حالة إبداع يمكن للمرء أن يدخلها بها وينتج من خلالها لوحته.
وبيّن “كحيلا” أن غالبية الشباب في حقيقة الأمر يفشل في صناعة مشروع فنّي يكون جدّياً بسبب استغراق هذه الأنواع من المشاريع الفنّية لوقت طويل قد يتعدى السنوات ما ليس بمقدو أيّ فنّان تحمّل تكاليفه، فالفنّان يلجأ اليوم لإقامة معارض فنّية على حسابه الخاصّ علاوة على تبخيسه من سعر اللوحات المستحق لحساب لقمة العيش. أمّا عن العقوبات فهي تؤثّر بالطبع على المواد الخام وأسعارها، وقد لا يجد الفنّان بعد فترة زمنية معيّنة أيّاً من مواده في السوق نظراً لصعوبة الاستيراد التي فرضتها العقوبات.
بدوره طالب كلية الطب البشري “حسام عمران” الذي جمع بين دراسته وشغفه برسم اللوحات، أكد لـ “شام تايمز” أن الفن في سوريا لا يعد مساحةً يمكن من خلالها الحصول على الدخل المادي الكافي ابداً، لأن الانسان وحاجاته تتوضع في أهرام فلا يمكن لشخص يفتقد لأساسيات قاعدة الهرم أن يصل لقمته (الفن) ويبحث عن اقتناء لوحة.
وحول الموازنة بين دراسة الطب البشري والرسم، قال “عمران” إن اليوم الذي يمتلكه من وضع بصمة في عالمنا كان يحمل 24 ساعة أيضاً، وتقدير الوقت وتنظيمه بشكل جدي منبع للراحة والإنجاز في مجالي الطب والفن.
ونهى “عمران” كلامه بأن اللوحة الانفعالية هي ساحة لتفريغ الشعور، وليست سلعة وإن حظيت على التقدير وأراد أحدهم اقتناءها له ذلك.
واعتبر المهندس المدني “إياد سليمان” خلال حديثه لـ “شام تايمز”نفسه هاوٍ ممارِس للرسم، وليس فناناً، مشيراً إلى محاولته الدائمة بتكوين هويّة منفصلة.
وقال “سليمان” إن أولويَّاته الشخصيَّة هي الانعزال وعدم التأثّر بالمحيط بما يحمله من ملوِّثات سمعية وبصريّة، أما على الصعيد العملي، فيحاول دائماً التمسُّك بأي عمل قد يكون مصدر دخل جيّد لأن الاستقرار المادي يساعد باقي التفاصيل الحياتية على الاستمرار، منوّها إلى أنه دائماً في سوريا هناك تخوّف من توقّف العمل بلحظة ما، لذلك عليك دائماً البحث عن مصادر دخل ثابتة مهما كانت بسيطة، أما عن الأولويات الاجتماعية فلا مجال للتفكير فيها خلال المرحلة التي نمر فيها، من عائلة وارتباط وهذه التفاصيل المتشابكة.