شام تايمز الاقتصادي – بيروت – كرم صايغ
مسألة التهريب بين سوريا ولبنان ليست وليدة اليوم، منذ عام ١٩٢٠ ومُذ نشأ لبنان الكبير والحدود مفتوحة على مصراعيها لعمليات التهريب غير الشرعية من سوريا إلى لبنان والعكس، من أبسط المواد الاستهلاكية إلى النفط والسلاح، ومن العمليات التي تتم بالخفاء إلى عمليات فساد تم كشفها مؤخراً من قبل السلطات السورية بالتعاون مع السلطات اللبنانية، فالعمليات الأخطر التي تتم عبر المعابر غير الشرعية الواقعة ضمن مساحة تصل غلى نحو 278 كيو متراً غير مخصصة للعبور بشكل قانوني ورسمي، من ضمن الحدود البالغ طولها 570 كيلو متراً.
ورغم المباحثات والمحاولات الحثيثة لسلطات البلدين خصوصاً مؤخراً، إلا أن محاولة ضبط حدود تمتد إلى أكثر من نصف المساحة الإجمالية ليس بالأمر السهل، وتحديداً بعد تركيز الدولة السورية على مسألة الحرب ضد الإرهاب والتي استمرت لأكثر من تسع سنوات ما زاد تحرك الخلايا المسؤولة عن تهريب مواد من سوريا، لتشمل الجانب الغذائي والنفطي إضافةً للأدوية التي تصنع في حمص، والمخصصة لبيعها ضمن سوريا كونها تُدعم من قبل الدولة لتغطية حاجة المواطنين وتحديداً بعد انقطاع بعض الأدوية الطبية الأجنبية.
ورغم الاتفاقيات المشتركة بين البلدين إلا أن مسألة التهريب والتي باتت منظمة لم تتوقف، ما ترتب بخسائر فادحة على التجارة الشرعية والتي يُضاف لها الضريبة الجمركية المفروضة من البلدين، ضمن أصناف معينة يُسمح بتداولها مثل المنتجات القطنية والألبسة، بالإضافة لقلة قليلة من المنتجات الغذائية، والضرر الأكبر يكمن بعمليات التهريب التي تشمل اللحوم والألبان والأجبان إضافةً للنفط والغاز والذي يشكل عائقاً وعثرة أمام الاقتصاد السوري ونظيره اللبناني.
وصرّح مؤخراً رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب بعد جولة على المراكز الحدودية وأبراج المراقبة المخصصة لرصد الحركة غير الشرعية مؤكدا أن حكومته وضعت خطة للنهوض الاقتصادي والتعافي المالي، وتقوم على مبدأ إحداث تغيير حقيقي في نمط الاقتصاد عبر منح المناطق فرصة الحصول على التنمية من خلال خلق وظيفة اقتصادية تساهم في تعافي الاقتصاد الوطني، وأضاف: “سنتابع الجهود، من أجل وقف اقتصاد التهريب عبر إقفال هذه المعابر التي تتسبب بأضرار كبيرة للدولة، وبستفيد منها حفنة من المهرّبين”.
ما يعرف” باقتصاد الظل” بات فيروساً ينهكُ على الاقتصاد السوري واللبناني على السواء ويشكّل عائقاً أمام استمرار التبادل التجاري بين البلدين والجهود المبذولة من قبل الدولة السورية، التي عملت على إضافة أبراج مراقبة وصلت إلى خمسة وثمانين برجاً، لدعم جهود مكافحة هذه المعضلة الأخلاقية والتي تصيب خاصرة الاقتصاد السوري وتحديداً في وقت تكاد تنقطع فيه أنفاس الليرة السورية بسبب الضرر الذي أصاب الإنتاج والاستهلاك نتيجة شلل الحركة التجارية العالمية بسبب فيروس كورونا.
ومن الطبيعي أن معضلة مماثلة لا يمكن أن تتوقف في ظل انتشار مافيات الفساد بين البلدين، ومن البديهي القول أيضاً إن حكومة دياب تسعى لإصلاح خلل دام عقود وسنوات بسبب سياسة النأي بالنفس عن المصلحة العامة للبنان، وامتناع التنسيق مع سورية في العديد من الملفات الذي كان له الأثر السلبي الأكبر على مستويات عدة، خصوصاً وأن أي جهد مشترك بين البلدين الجارين، يمكن أن تتضح نتائجه الإيجابية مباشرة، وللملف الأمني سلسلة طويلة من النجاحات المشتركة، لتبقى ملفات الاقتصاد وغيرها من المتعلقات الحكومية، رهن التجاذبات السياسية اللبنانية الداخلية.