شام تايمز الاقتصادي – حيدر مصطفى – حسين اليوسف
تأثر سوق العمل السوري بكافة قطاعاته بشكل سلبي إثر جائحة كورونا العالمية، وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي والسوري إثر الإجراءات الاحترازية التي اتخذت لمنع انتشار الوباء في سورية، كخطوات وقائية لاقت استحسان الشارع وتم تقييمها إيجاباً لناحية الحد من الضرر الصحي المحتمل، إلا أن تداعياتها السلبية بدت واضحة في قطاع العمل العام والخاص، وتضرر على إثرها الآلاف من المياومين والموظفين في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وأصحاب العديد من المهن الذين يعتاشون من العمل يومياً.
ويعد صعباً للباحثين الحصول على أرقام دقيقة لنسب البطالة والعمال المتضررين، نظراً لندرتها وعدم وجود مصادر رسمية دقيقة ومحدثة، للتقييم عليها مرحلياً وتقدير نسبة الذين وضعتهم ظروف الحرب والأزمات الاقتصادية وتداعيات كورونا في خانة العوز المالي.
منحة تعطل بعد إحصاء المتضررين:
ولتجاوز تلك الصعوبة، كشف مدير مرصد سوق العمل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية العمل “محمود كوا” لـشام تايمز الاقتصادي، عن نية الحكومة إطلاق قناة إلكترونية لتحديد أعداد العمال المتضررين الذين فقدوا مصادر عيشهم، والتي ستعمل على تحديد ثلاثة شرائح، الأولى هم المسنين فوق سبعين سنة، الثانية هم الأسر التي ترعى ذوي الإعاقة، والثالثة هم العمال الذين فقدوا سبل عيشهم.
ويؤكد “كوا” إن هذه القناة تهدف إلى تحديد العدد الإجمالي والتوزع الجغرافي لهؤلاء العمال، كون عدد المسلجين في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو بحدود الـ 25 ألف عامل فقط.
وأوضح مدير مرصد سوق العمل، أن آلية عمل القناة لن تكون إلكترونية فقط، بل سيتم العمل عبر فرق تطوعية على الأرض يبلغ عدد أفرادها نحو 10800 شخص، للتعاون مع لجان الأحياء والمخاتير، لإحصاء المتضررين بهدف تحديد المستهدفين بمنحة التعطل التي أقرتها الحكومة الأسبوع الماضي.
الحكومة حظرت تسريح الموظفين:
ويؤكد رئيس جمعية إدارة الموارد البشرية في سورية الدكتور منير عباس لـ “شام تايمز الاقتصادي” أن جميع القطاعات تعرضت لضرر كبير إثر الأزمة الحالية، إلا أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عممت على جميع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بمنع تسريح العاملين لديها أو حتى قبول المستقيلين طوعاً في خطوة استباقية لحماية عدد كبير جداً من موظفي القطاع، ولفت الخبير في إدارة الموارد البشرية، إلى أن الضرر الأكبر هو “للمياومين” أي عمال الأجر اليومي، والمطلوب توحيد جهود كافة الجهات لتعويض الخسائر.
خبراء ومراقبين: الإجراءات الحكومية لا سلبية ولا إيجابية
وفي السياق اعتبرت الدكتورة في الاقتصاد “رانيا حسن” خلال حديثها لـ “شام تايمز الاقتصادي” أن فقدان السوريين لوظائفهم هو أمر مؤكد، إذا لم يلقى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الدعم الحكومي اللازم لاستمرارها، حيث لا يمكن توصيف الإجراءات الحكومية الإحترازية بالسلبية أو الإيجابية في أوقات الحروب وانتشار الأوبئة، فالتوصيف يكون نسبي.
ويمكن القول بحسب “حسن” إن الإجراءات الحالية جيدة وإن كانت لا تخلو من السلبية، وخاصة أننا أمام مفترق طرق و دول كبرى تعيد النظر بسياساتها وأنظمتها الاقتصادية.
ومن الطبيعي أن تكون التأثيرات الإقتصادية سلبية، على المحال التجارية، وعلى العمالة اليومية، لأنها توقف أعمالهم التي يحصلون من خلالها على قوتهم اليومي، وبالتالي فإن المياومين هم الأشد تأثراً بهذه الإجراءات المتخذة، رغم أهميتها وضرورتها، بحسب تصريحها.
وفي هذا السياق يمكن التطرق إلى دراسة أجراها مركز “مداد” السوري للدراسات، حملت عنوان “اختلالات سوق العمل في الاقتصاد السوريّ وسياسات تصحيحها 2001-2017″ أورد فيها أن معدلات البطالة قفزت بشكل كبير جداً إلى مستويات لم يلحظها الاقتصاد السوري من قبل، فطوال الأمد الواقع بين (2013/2017) وصلت معدلات البطالة وبشكل وسطي إلى نحو 37 في المئة من قوة العمل، بفعل نتائج الحرب الاقتصادية والاجتماعية وما أفرزته من تدمير البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية كلها، وتراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة وسطية تقدر بنحو (60%) عما كان عليه عام 2010، وكان أعلى معدل للبطالة في عام 2015، إذ قاربت تلك النسبة نحو (48%) من قوة العمل، فقد أدت الحرب إلى تراجع أعداد المشتغلين في الاقتصاد من نحو خمسة ملايين مشتغل عام 2010 إلى نحو (2.6) مليون مشتغل عام 2015، لكن في العام 2017 زاد عدد المشتغلين إلى نحو (3.6) ملايين مشتغل مقارنة مع عام 2015، لكنه بقي أقل بنسبة (28%) عما كان عليه عام 2010 أيضاً.
وبناء على ذلك يمكن القول إن عدد المتعطلين عن أعمالهم حالياً يمكن حسابه بعشرات الآلاف، نظراً لتوقف قطاعات بأكملها.
ويرى الصحفي “سركيس قصارجيان” في تصرح لـ “شام تايمز الاقتصادي” أنه من الضروري الاعتراف بأن الوضع الاقتصادي بشكل عام وخاصة موضوع البطالة أو العطالة عن العمل قبل الحرب كان في أدنى مستوياته، لناحية أن الدخل الفردي بالنسبة للمواطن السوري قبل الحرب كان بشكل أو بآخر يوازي دخل الفرد في الدول المجاورة مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير في أسعار أو في كلفة معيشة السوري عن الدول المجاورة، أما حالياً فمشكلة البطالة كبيرة جداً لعدة أسباب:
أولاً: انحسار موجة الهجرة، ما يعني أن عدد الشباب المهاجر لم يعد كما قبل، وبالتالي هناك جيل بأكمله يكبر ويسعى للدخول إلى سوق العمل.
ثانياً: انحسار عدد المطلوبين للخدمة الاحتياطية نظراً لانحسار دائرة الحرب على البلاد، وتحسن الأوضاع الأمنية.
ثالثا: السبب الأهم هو أن كل شيء في البلاد تغير على أساس قيمة أو سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إلا الأجور والراتب، وهذا الأمر تسبب بزيادة نسبة البطالة، وبيّن أن كل من يعمل اليوم هو في خانة البطالة، والموظف عمليا هو عاطل من العمل، على اعتبار أن متوسط الدخل للفرد يبلغ 50 دولاراً في الشهر، وهي بالنسبة للظروف المعيشية الحالية والغلاء الحاصل، هي معونة ليس أكثر ولا يمكن اعتبارهاً أجراً وراتباً حقيقاً، حتى لمن يعمل في القطاع الخاص، لا يمكن تسميتها راتباً.
ويضيف “قصارجيان” أنه حتى في ظل وجود أرقام وإحصائيات وبيانات رسمية، وهي غير موجودة، وحتى إن وجدت لا يمكن التعويل عليها بسبب الخلل في المنظومة المالية لهؤلاء الموظفين والعمال، ولا يمكن اعتبار موظفي الدولة أو موظفي القطاع الخاص بالنسبة الأكبر منهم، غير عاطلين من العمل، ولا إجراء دراسة عن البطالة واعتبار هؤلاء عاملين، بسبب الدخل المنخفض ” لأن واحد عم يشتغل بمعدل 50 إلى 75 دولار بالشهر و بظل الأسعار الموجودة، اللي ما بتختلف إلا شي بسيط عن دول الجوار فهي الدراسة لا يعول عليها”.
جدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت قدرت أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية، أي أكثر مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام 2008، وبالتأكيد لا تبدو سورية في خانة الاستثناء خصوصاً في ظل تضرر مصالح نسبة كبيرة من الشركات والمحال التجارية والصناعات المحلية كالألبسة وغيرها من الحرف والمهن اليدوية.