شام تايمز الاقتصادي – جوان ملا
ربما لم تكن سورية الدولة المتضررة بشدة جرّاء فيروس كورونا، الذي أصاب ما يفوق المليون شخص في كافة أنحاء العالم وفَتَكَ بعشرات الآلاف ومازالت الحالات في سوريا حتى اليوم قليلة وتحت السيطرة، وهذا ما يدعو للفرح حقيقةً كون المواطن السوري بات خائر القوى ولم يعد يستطيع مجابهة أي تَحَدٍّ جديد بعد تحدي الحرب والنزوح والهجرة، لكن ما يمكن ملاحظته أن الناس رغم ذلك في الداخل السوري لم تكن سعيدةً بهذه النتائج الإيجابية، والسبب أن حظر التجول والعمل والتوجّس من تفشي المرض جعل الكثير من العائلات لا تجد قوت يومها، فبقي أرباب وربات المنازل في منازلهم خاضعين لقرارات الحظر درءاً للخطر لكنهم منتظرين مجهولاً أكبر كونهم بلا نقود.
الكثير من السوريين يعلمون أنهم لا يستطيعون تأمين طعامهم إن لم يعملوا يومياً، خصوصاً إذا كان العمل يعتمد على خدمات معينة مثل “سائقي سيارات الأجرة، محلات الألبسة والأقمشة والإكسسوارات والحلاقة وصالونات التجميل” وغيرها من المهن التي تجعل أصحابها من ذوي المرابح اليومية التي يعتاشون منها.
ومع الوضع الصعب اليوم ونتيجة الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا بقي الكثير من هؤلاء الأشخاص دون أي عمل يستطيع أن يؤمن لهم شراء حاجياتهم الأساسية، فعمدت الكثير من ربات المنازل مثلاً لاستهلاك المؤونة المتبقية، والخطط البديلة كالخَبز في البيت بدلاً من إحضار الخبز العادي، واعتماد الطعام السريع غير المكلِف، ووجبات المعكرونة سريعة التحضير، وغيرها من الأطعمة التي لا تستهلك من مدخرات العائلة، ولطالما كانت السيدة السورية قادرة على تدبير أمورها في أصعب اللحظات لكن ماذا عن هذه اللحظات التي قد تستمر لمدة غير معروفة نهايتها؟
ولا مبالغة في القول إن كورونا خلق في سوريا ودول العالم إجمالاً فجوة كبيرة بين أصحاب المهن والأعمال، فربحت قطاعات في حين خسرت أخرى، حيث استمر قطاع الأغذية في الربح وأيضاً القطاعات الصحية والطبية وهَوَت القطاعات القائمة على الحاجيات الثانوية كالتجميل والمكياج والعطورات والألبسة وغيرها.
الكارثة اليوم هي في الارتفاع الجنوني للأسعار وغير المسبوق، وربما هو ليس بالجديد بعد ارتفاع الدولار مقارنةً بالليرة السورية، حيث اعتادَ السوريون في حال ارتفع الدولار بالسوق السوداء أن ترتفع الأسعار بشكل غير منتظم ولا مضبوط، وحين يهبط الدولار تبقى الأسعار على حالها! لكن الحالة اليوم تنمّ عن عجز واضح في ضبط سعر السوق ومتاجرة المحتكرين بطعام الناس كون الأسعار تضاعفت بشكل مرعب لم تشهده السوق السورية حتى في أيام الحرب خلال أزمة الفيروس المنتشر، ما جعل السوريين غاضبين تجاه ما يتفشى من لوثة في ارتفاع الأسعار أكثر من كورونا ذاته.
والسؤال الذي سيبقى في رسم انتظار الإجابة، هل ستعود الأسعار على حالها بعد انتهاء أزمة كورونا وتستطيع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن تحمي المستهلك حقاً ليستعيد حقه من تجّار الأزمات؟ أم ستبقى الأسعار في ارتفاعها الجنوني هذا؟ وَلِمَ لا يمكن ضبط السوق في الأزمات بشكل أفضل؟ وبمَ سيتذرع التجّار بعد أزمة الفيروس بحكم أن الموضوع هذه المرة لا علاقة له بالدولار ومازال سعره مستقراً في سوريا.
وفي خضم المأساة الحاصلة، ينتظر السوريون إنصافاً لجيوبهم المنهَكة بعد أن فُرِّغَت من محتواها آملين أن تنتهي هذه المحنة بأقرب وقت عَلَّهم يعودون لأعمالهم ويجلبون قوت يومهم بأسعار أقل لا تفرغ جيوبهم وتملأ جيوب التُّجّار المحتكرين.