شام تايمز الاقتصادي – حيدر مصطفى
لم يكن ينقص السوريين سوى جائحة كورونا، كي تزيد من سوداوية الأفق الاقتصادي للبلاد التي ترزح تحت وطأة الحصار منذ تسع سنوات، وفي ظل حرب على مقدراتها أتت على النسبة الأكبر من القطاعات المنتجة، وأغلقت المنافذ لقطاعات طالما كانت تشكل رافداً هاماً لخزينة الدولة كالسياحة التي ما إن بدأت تنتعش مع عودة الاستقرار لمعظم الجغرافيا السورية، وتحديداً بعد تحرير حلب، حتى جاء الوباء العالمي ليضع الموسم الصيفي المقبل في مواجهة تحدٍ هو الأخطر، مع اضطرار الحكومة السورية لإغلاق كافة المنشآت السياحية والمطاعم وغيرها، وهو ما قد يستمر مع جملة من إجراءات الحظر والتقييد الأخرى، في حال استمر خطر كورونا بتهديد معظم دول العالم.
وفيما حذر صندوق النقد الدولي من ركود اقتصادي عالمي، هو الأسوء منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وخيبة أمله في أن يتصاعد نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% عام 2020، إثر الجائحة الحاصلة، لا تبدو سورية بمعزل عن الأزمة العالمية الحاصلة، دون وجود مؤشرات رقمية واضحة حتى الآن عن حجم الخسائر التي قد تتكبدها الدولة وشعبها.
وعلى الرغم من أن إجراءات الحكومة السورية كان لها أثرها على القطاعين العام والخاص، ودفعت العديد من الشركات لتقليص عدد موظفيها، وخفضت ساعات الدوام وغيرها، إلا أن الفريق الحكومي المعني باتخاذ الإجراءات للتصدي الوباء كورونا، يؤكد أن جميع القرارات التي صدرت منذ بداية تشكل الفريق لغاية الآن تستثني السيارات التي تنقل المواد الغذائية والبضائع والمواد الأولية وكل ماله علاقة بالإنتاج الصناعي والزراعي، وتكليفه الاتحادات المعنية بالإنتاج، لتأمين نقل جميع عناصرهم إلى مراكز العمل وفق مهمات يتم منحها من قبل المحافظين وذلك بهدف استمرار العملية الإنتاجية، إضافة إلى أن هذا القرار يشمل أيضاً العاملين في القطاع الصحي.
إجراء يأتي في سياق الإصرار على عدم إيقاف عجلة الحركة الاقتصادية أو الصناعية بحدود مقبولة، خصوصاً وأن البلاد تعتمد على الناتج المحلي بكثرة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من قبل الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تتأثر رغم معرفة تلك الدول بعاقبتها الوخيمة على حياة الملايين من السوريين أو غيرهم من الشعوب التي تقبع تحت وطأة الحصار وتعاني من أزمات سياسية، تشكل دول الغرب أقطاباً رئيسية فيها.
وكنتيجة لهذا الواقع ولتداعيات قانون سيزر والحرب التي أتت على مقدرات نسبة كبيرة من السوريين، يقترح البعض على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع أيضاً، أن تحصل عملية عقاب واسعة النطاق لبعض أصحاب رؤوس الأموال والتجار ممن عمى الجشع على أعينهم، وتسخير أموالهم لتحريك العجلة الاقتصادية، ومساعدة العوائل المحتاجة والأكثر تضرراً من الجائحة العالمية التي قضت على أرزاق الآلاف ممن يؤمنون قوت عوائلهم من العمل اليومي.
غير ذلك من الحلول قد تبدو غير مجدية، وفي سبيل التنظير وبالتأكيد ما لا يحتاجه أحد في هذا الوقت هو مزيد من التنظير، خصوصاً مع الحاجة الماسة إلى تفعيل رأس المال الفردي لصالح العامة.
وفي كل الأحوال ما يخفف وطأة المسألة حالياً، أن العالم بأسره يعيش ذات الحالة، إغلاق الطرق، والمؤسسات، بغرض وقف حالة التفشي للفايروس، سيؤدي حتماً إلى حالة ركود عميق في الاقتصاد العالمي، مع فارق أن السوريين هم أكثر شعوب العالم تضرراً بفعل الحرب الطاحنة التي شنت على بلادهم وشاركت فيها معظم القوى الكبرى عالمياً.
ومن غير المعلوم كما ذكر آنفاً أن نتائج الكارثة العالمية على الاقتصاد السوري ما زالت غير محددة بأرقام، إلا أن التوقعات تدلل على خسائر ضخمة في العديد من القطاعات، وعدم توجه نسبة كبيرة من الشركات والمؤسسات لتفعيل العمل عبر الإنترنت من المنازل أسوة بنظيراتها في دول أخرى، والتي تمكنت من تلافي نسبة كبيرة من الخسائر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت الأزمة الاقتصادية التي نشأت بفعل جائحة كورونا العالمية، قد تسببت بزيادة الخسائر الاقتصادية العالمية، بفعل عمليات الحظر والاغلاق، وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات حول العالم، بغرض إبطاء تفشي الفيروس، وفي حين تكافح دول فاعلة في الاقتصاد العالمي لإطعام مواطنيها وتأمين مستلزمات الوقاية والعلاج لأكثر من نصف مليون ومصاب، وفي ظل إغلاق إيطاليا أحد أكبر المصنعيين الأوروبيين لمعاملها، وتسجيل أكثر من ثلاثة ملايين أمريكي لطلبات للحصول على إعانات بطالة مؤخراً، وتقدير الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة كنتيجة للاضطرابات الاقتصادية، وهو رقم أكبر مما حدث إثر أزمة 2008، وتوقع العديد من المحليين بركود عميق وطويل في الاقتصاد العالمي، ماذا ستكون النتيجة على دولة تخرج الآن من حرب امتدت لتسع سنوات، كسوريا وشعبها الغارق بنسبة كبيرة منه بالفقر والحاجة؟.
سؤال برسم مفتعلي الأزمات والدول التي ما زالت تفرض عقوبات ما أنزل بها من سلطان على شعب واجه الإرهاب نيابة عن العالم بأسره.