شام تايمز – لؤي ديب
الحياة الاعتيادية للمواطن السوري البسيط، بالتعاطي مع المواد الاستهلاكية على أنَّها >>من الكيس إلى الفَم<< باتت تُشكِّل خَطراً على صحَّته وصحّة مَن حولِه، الحياة الاجتماعية المُنفتِحة التي يعرفها المُجتمع السوري من تبادُل أطباق الطعام بين الجيران، وأخذ الزوادة إلى ورشة العمل وتناولها مع الزملاء بين مواد البناء تساهِم اليوم بشكل أساسي في تسهيل انتشار أي وباء مهما كان نوعه، وعن هذه الثقافة المُنتِشرة يقول لنا متعهد إحدى الورش المختصة بالتمديدات الصّحيّة “من وجه الضو لآخر النهار واقفين على قصب رجلينا أقل منها ناكل لقمة، والأكل الجاهز من المطعم غالي وما بشبع، تعال قلّي حط كمامة والبوس كفوف ومريول، ما بقا فيك تشتغل مو متعوّدين يا أخي.. واذا وقفنا شغل منموت من الجوع، مين بدو يصرف على كوم اللحم اللي بالبيت”.
بائع جوالٌ آخر، لا سبيل له للعيش سوى بيع المناقيش للمارة يقول لشام تايمز: “أنا ما عندي غير هالصَّاج، عايش منو أنا وعيلتي، وأجارات المحلَّات كتير غالية وين بدي لاقي محَل ع موقف السرفيس مكان ماني واقف هلا؟ وبالأخير ما بصير غير اللي كاتبو ربّك”.
وللمشكلة أطراف عديدة، لاسيما الأغذية المكشوفة في المحال التجارية، والموضوعة على جانبي الممر، بهدف عرضها على الزبائن، عادة ما تكون متاحة لمتناول أيدي الزبائن دون رقابة أوغ ِطاء يقيها من التلوّث واللّمس بالأيدي، صاحب أحد المتاجر في حمص يقول “يا أخي الزبون متعوّد يدوق قبل ما يشتري، وإذا حطينالو مسطرة برا، بقلّك شو ضمانتي أنو هاد اللي دقتو نفسو من هاد اللي عم تعبّيه، بعدين يا أخي أغلب العالم بتجي ما بتعرف شو بدا تشتري وما بيتذكرو حتى يشوفو البضاعة، الفاكهة بالنّظر صح؟”.
في مُجتَمَع تحكمه الأعراف والعادات من الصَّعب جدا على ما يبدو صنع ثقافة تقود الأفراد بشكل عفوي تلقائي، دون رقيب أو ضابط قانوني وهذا ما تحدّثت عنه الصيدلانيّة “علا داغستاني” في تصريح لشام تايمز، أكدت فيه مدى صعوبة إقناع الناس التي ما زالت ترتاد الشوارع بكثافة، بأن الحياة متوقفة، وما يدفع للاستغراب، أن بعض الناس يذهبون لشراء المُعقِّم من البسطة، أما الاحتياجات الجنسية الأخرى، وغيرها من الأمور الاعتيادية من الصيدلية، واعتبرت أن هذا التصرف دليل على حكم العادات والحياة الارتجالية للناس.
وعلى الرّغم من أن سوريا اليوم هي البَلَد الأكثر ملاءمة للحياة، بسبب عدم تفشّي الجائحة الڤايروسية كوڤيد 19 بين النَّاس، حسب تقرير منظّمة الصحة العالميّة، إلا أن العادات الغذائيّة التي ما زال الشّارع الحمصي بالتحديد يمارسها دون وعي للخطر المُحدِق المُحيط قد تؤدي إلى نتائج سلبيّة كبيرة.
المستغرب أيضاً أنه وعلى الرغم من أننا ما زلنا على بعد أشهر من فصل الصيف، إلا أن الشوارِع مليئة بماكينات المُثلّجات والعصائر المُجلَّدة، إضافة لبرّادات “البوظّة” المُصنّعة في المعامِل، دون التنبه إلى تحذير التقارير الطبيّة التي تؤكد أن الأطعِمة البارِدة تُساعِد الڤايروس على الإستقرار بجسد الإنسان، بسبب اشتراك الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي بمجرى البلعوم، إضافة لِكون طريقة تناوُل >>بوري أو كاسة البوظة<< في الطريق غير صحيحة فهي تُسهِّل انتقال الڤايروس من الهواء واستقراره مباشرة على الغذاء أو من الإنسان المُصاب إلى طعام الإنسان السليم، ودون وجود قدرة كافية على ردعها، مع حاجة الناس لأبسط الوسائل لتأمين لقمة العيش، أحد الشبان العاملين على براد للمثلجات قال لشام تايمز “مننتظر الموسم من السنة للسنة، بلكي هالموسم بقدر بدّل البراد على ماكينة، النّاس بتاكُل بوظة الماكينة صيف شتي بس سبحان الله، هي البوظة “الدوغما” ما بيتقبلوها يا أخي شعب بدو حلم الله، الحمد لله هلا عطونا عطلة بالمدرسة عم داوم عالبراد من الصبح لآخر النهار لو في مدرسة قبل الأربعة العصر ما بقدر انزل اشتغل، الله يبعد البلا عننا وما تتعطّل أرزاق هالعِباد”.
ووفقاً لتلك المعطيات، لا ضير بالقول، إن مكافحة الفايروس لا تكون فقط بالإجراءات الوقائية، وإنما بالتدابير التي تعوض نقص الحاجات لدى صغار الكسبة، وهي مسألة مضنية بالنسبة لحكومة تواجه حرباً وأزمات اقتصادية على مختلف الصعد منذ نحو عشر سنوات، ناهيك عن ضرورة الوعي الذاتي والفردي لمخاطر الضرر الذي يمكن أن تسببه الممارسات الفردية على العامة، والتي تحتاج إلى استعداد وقناعة بضرورة التخلي عن عادات خاطئة، وأساليب العناد وتكبير الراس، على اعتبار أن كورونا.. كسر راس العالم كله.