محمود عبد اللطيف – شام تايمز
لا يثق السكان في المنطقة الشرقية بالأدوية القادمة من دول الجوار تهريبا، إلا أن انتشار ظاهرة تصريف الأدوية السورية الفاسدة والمحظورة في أسواق المنطقة الشرقية جعل من المواطن ضحية لتجار السوداء، الذين يتعاملون مع “قسد”، ويروجون لما يتم سرقته من مساعدات طبية تقدم لها، وفي ظل منع بيع الادوية السورية بشكل رسمي من قبل “قسد”، في أسواق الرقة ودير الزور، باتت المساحة الجغرافية المحتلة من قبل الفصائل المدعومة من قبل الاحتلال الأمريكي، سوقاً واسعاً تحقق أرباحا ضخمة للمهربين وتجار السوداء، والصيدليات العشوائية.
مجهولة المصدر
تعتبر الصيدليات العشوائية (غير المرخصة)، واحدة من الظواهر التي انتشرت في ريف محافظة دير الزور والرقة خلال فترة الحرب، وخاصة بعد سيطرة ما تسمى بـ”قوات سورية الديمقراطية”، عليها، وبرغم أن “قسد”، قامت مؤخراً بحملة لإغلاق الصيدليات غير الحاصلة على تراخيص مما يسمى بـ “الإدارة الذاتية”، بما في ذلك الصيدليات المرخصة من قبل الدولة السورية في مرحلة ما قبل الحرب، إلا أن الحصول على “رخصة”، ليس بالأمر الضروري لافتتاح محل لبيع الأدوية تحت مسمى صيدلية، فالمواد المباعة من أدوية ولقاحات تصل إلى المنطقة من مصادر متعددة، منها الأراضي العراقية والتركية، وكذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية، ولأن هذا النوع من التجارة يحقق أرباحاً عالية، كان من الطبيعي أن يزداد عدد العاملين فيها.
يؤكد “محمد الحياوي”، القاطن في قرية “الكسرة”، بريف دير الزور الغربي، أن السكان المحليون يبحثون دوماً عن الأدوية السورية وذلك لقلة الثقة بالمنتجات الدوائية غير السورية الموجودة في الصيدليات، فما يحمل ختم “صنع في تركيا”، أو أي دولة أخرى غير موثوق بالنسبة للسكان، وهذا ما فتح المجال أمام تهريب الأدوية من الأسواق السورية إلى مناطق سيطرة “قسد”، وبالتالي مضاعفة اسعار هذه الأدوية لمرتين أو ثلاثة عن السعر الذي تباع فيه بدمشق على سبيل المثال، وغالباً ما يكون المواطن مجبراً على شراء هذه الأودية بالأسعار التي تحدد من قبل كل صيدلية على حدى نظراً لارتفاع تكلفة الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، إضافة إلى المعوقات التي تنتشر على الطريق.
بحسب معلومات حصل عليها “شام تايمز”، من مصادر متعددة، فإن تجارة الأدوية تحقق ما يقارب 200 ألف دولار شهرياً من خلال التهريب عبر المعابر البرّية التي تربط مناطق انتشار “قوات سورية الديمقراطية”، مع المناطق التي تحتلها قوات النظام التركي في ريف حلب الشمالي الشرقي، وغالبية الأدوية التي تهرب من هذه المناطق هي من “المضادات الحيوية – مسكانات الألم – الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والربو”.
تصريف للفاسد
خلال الشهرين الماضيين، سجل وفاة 6 أطفال على الأقل، قضوا خلال الأشهر الماضية في مناطق متفرقة من ريف دير الزور الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، بسبب تناول جرعة من دواء “New pectomed”، الذي يعد من الأدوية التي حظرتها وزارة الصحة السورية قبل عام تقريباً، بسبب احتواءه على مواد قد تتسبب بالوفاة، وتقول مصادر أهلية أن توجه السكان المحليين في المنطقة الشرقية نحو تعاطي الادوية دون مراجعة الأطباء يعود إلى عدد من الأسباب منها قلة الكوادر الطبية الموثوقة الشهادة العاملة في المنطقة، وارتفاع أجور المعاينات، وبنتيجة انتشار ظاهرة عمل الموظفين في الصيدليات دون الحصول على شهادة خبرة من قبل الجهات الرسمية في سورية، وغالبا ما يكون هؤلاء من الحاصلين على شهادة التعليم الأساسي في أبعد حد، فإن صرف الأدوية بدون مراجعة طبيب يعتبر من المسائل الخطرة للغاية على حياة السكان.
تصريف الأدوية المحظورة من قبل المهربين النشطين في السوق السوداء بالمنطقة الشرقية، جاء بالاستفادة من إهمال “قسد”، للملف الصحي، بالتزامن مع قرار لها يمنع بيع الأدوية السورية المنشأ في ريف دير الزور والرقة، الأمر الذي يحقق عوائد عالية للمهربين تقدر بالملايين شهرياً، فالمنطقة الممتدة من مدينة الرقة وصولاً إلى الحدود السورية – العراقية تعتبر مجالاً لترويج بضائعهم التي من غير المعروف كيفية حصولهم عليها، في حين أن الشركات المصنعة للأدوية في سورية ملزمة بإتلاف المواد التي حضرتها وزارة الصحة، إضافة إلى تقديم كشوف رسمية بالمواد المباعة من قبل “مستودعات الأدوية”، ولمن تم بيعها.
يشرح مصدر خاص لـ “شام تايمز”، آلية شراء الأدوية من السوق السوداء قبل تهريبها إلى المحافظات الشرقية، إذ يقول أن التاجر يتوجه إلى المدن الكبرى كحماة أو حمص لشراء كمية من الأدوية من خلال صيدلية يكون قد بنى مع صاحبها علاقة تجارية، تقوم على استجرار كميات من الأدوية تنقل عبر البادية السورية إلى المناطق الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات، ومن ثم يتم نقل هذه الأدوية من خلال “العبارات النهرية”، إلى المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، ولا يكلف الأمر أكثر من دفع رشاوي تصل إلى 200 ألف ليرة على الحمولة الواحدة لمجموعات “الآسايش”، التي تشرف على المعابر النهرية.
سرقة المساعدات
انتشار مرض اللاشمانيا المعروف شعبيا باسم “حبة حلب”، في المنطقة الشرقية، فتح سوقا لبيع الأدوية اللازمة لعلاج هذا المرض الذي قد يتسبب تأخر العلاج فيه إلى تشوهات دائمة لدى المصابين، وبحسب بعض السكان المحليين الذين تواصل معهم ” شام تايمز”، فإن “النقاط الطبية”، التي افتتحها “قوات سورية الديمقراطية”، بدعم من قبل المنظمات الأممية وتلك العابرة للحدود بطريقة غير شرعية، من المفترض أن تقدم الأدوية اللازمة لعلاج المرض، وهي لقاحات تعطى على ثمانية جلسات بفارق أسبوع بين الجلسة والأخرى، إلا أن “عيسى المحمد”، يؤكد أن مراجعة أي من النقاط الطبية الموجودة في ريف دير الزور الشمالي والغربي لا تفضي إلى نتيجة، فغالبا ما يقول العاملين في هذه المراكز أن الدواء غير موجود بحجة “توقف المساعدات”، ويشير إلى أنه بعد طول انتظار حصل على جلستي علاج لطفله البالغ من العمر 6 أعوام من نقطة طبية تابعة لـ “قسد”، في منطقة “الصور”، بريف دير الزور الشمالي، غير إن الحالة الصحية للطفل ازدادت سوءً وبعد مراجعة طبيب مختص، تبين أن الجرعتين المقدمتين له كانتا منتهيتا الصلاحية.
علاج اللاشمانيا متوافر في الصيدليات المنتشرة في المنطقة الواقعة “شرق الفرات”، بريف دير الزور، وبسعر يصل إلى 4000 ليرة سورية للجلسة الواحدة، وتباع هذه الأدوية وفقاً لتأكيد عدد كبير من السكان بدون عبوة، ما يشير إلى أن مصدرها غير شرعي من المرجح أن يكون من المراكز الطبية التابعة لـ “قسد”، وذلك أن المنظمات الإنسانية التي تتجول في المنطقة، تقوم بتسليم الادوية للنقاط الطبية ليتم إعطاءها بشكل دوري للمرضى الذين يقدر عددهم بنحو 8000 إصابة خارج المخيمات التي تسيطر عليها “قسد”، فيما يبلغ عدد الإصابات المسجلة في مخيمات “ام مدفع – أبو خشب – الكسرة”، حوالي 3500 إصابة.