“حلب”.. مكانةٌ اقتصاديةٌ راسخةٌ في عمق التاريخ

شام تايمز – بشار دولة

كتب اسم حلب كمفصل ذهبي في عمق تاريخ المنطقة وعلى مر العصور والحضارات التي تعاقبت في بلاد الشام والمشرق عموماً، منها الحثية والآرامية والآشورية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، كما برزت في العصر العباسي كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية والموصل، وتبوّأت مكانتها الاستراتيجية بناءً على سلسلة من المقومات، منها عراقتها الثقافية والفنية والدينية، إلا أن موقعها الجغرافي جعلها واحدة من أهم المدن التجارية في المنطقة والعالم، وبرز ذلك بوضوح في سنوات ما قبل الحرب على سوريا، وإلى يومنا هذا.

تعد حلب شرياناً اقتصادياً هاماً للدولة السورية، نظراً لموقعها الهام على طرق التجارة، التي تربط ما بين الهند والصين وبلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. وكانت حلب المدينة الثالثة من حيث النشاط التجاري في العهد العثماني بعد إسطنبول والقاهرة. وهي مشهورة بطبقة تجارها المحنكين، واستمرت هذه الريادة حتى نهايات القرن التاسع عشر مع إنشاء غرفة تجارة حلب عام 1885، كواحدة من أقدم غرف التجارة في الشرق الأوسط والعالم العربي.

“صناعات حلب التقليدية”

اشتهرت حلب بالحفر والنقش على الزجاج والصناعات النحاسية، ولها مركزها الهام لمشغولات الذهب والصياغة والأحجار الكريمة.

كما اكتسب صابون الغار الحلبي شهرة واسعة، ويعتبر أجود وأول نوع من الصابون القاسي ينتج في العالم، وهو لايزال يصنع في “المصابن” أي مصانع الصابون التقليدية التراثية في حلب القديمة وفق الطرق القديمة المتوارثة.

وتصدر المدينة المنتجات الغذائية والصناعات الغذائية التحويلية المغذات المرتبطة بها، كالفستق الحلبي، والزعتر الملكي، وزيت الزيتون وخاصة الزيتون “العفريني” نسبةً إلى منطقة عفرين التي تحوي غابات من أشجار الزيتون.

“صناعات حديثة”

نختصرها في المدينة الصناعية الأشهر في حلب “الشيخ نجار” وهي المنطقة الصناعية الأساسية في المدينة، تحتل مساحة 4412 هكتاراً، ويقدر حجم الاستثمارات فيها بأكثر من 2 مليار دولار حتى نهاية عام 2009، واقتصاد حلب عماده صناعات النسيج، الصناعات الكيميائية، الصناعات الدوائية، الصناعات الغذائية الخفيفة، الصناعات الكهربائية والكهربائية المنزلية، الصناعات الهندسية والسياحة، الأقمشة والنسيج، صناعة التجهيزات الطبية، الصناعات الدوائية وصناعة الخيوط وحلج القطن، دباغة الجلد، وصناعة الملابس الجاهزة وهي مركز التصنيع الأساسي في سوريا، باحتوائها على أكثر من 50% من العمالة الصناعية وأكثر من نصف حصة التصدير.

 

“حلب بعد الحرب”

السيد الرئيس بشار الأسد قال يوم تحرير مدينة حلب عام 2016: “ما قبل تحرير مدينة حلب لن يكون كما بعدها” ولهذه الجملة أبعاد سياسية واستراتيجية وعسكرية واقتصادية.

عام 2012 ومع اشتداد الحرب في سوريا تعطلت مجمل معامل حلب بسبب سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة على معظم أنحاء المحافظة، ومنها المدينة الصناعية “الشيخ نجار” التي توقفت عن العمل بالكامل، إثر تخريب الإرهابيين وسرقة معاملها وبيعها في تركيا وتدمير ما تبقى منها.

وبعد سنوات معاناة وحصار عاشتها المدنية، بدأت عوامل النهضة الجديدة تتضح مع التحرير الأخير لكامل أراضي المحافظة، وسيطرة الجيش العربي السوري، على طريق الـ m5 الواصل ما بين حلب دمشق والسيطرة على أجزاء من أوتوستراد غازي عنتاب الواصل لريف حلب الشمالي وحلب المدينة.

تحرير يرسم العديد من النتائج، أولاً، بدء تشغيل المعامل في المدينة، والخلاص من قذائف الإرهاب وأعماله. وثانياً ربط العاصمة دمشق بحلب العاصمة الاقتصادية بطريق اختصر نصف المسافة ونصف تكلفة النقل التي كانت عليها عند المرور بطريق أثريا خناصر، والذي شهد سلسلة طويلة من المحاولات لقطعه من قبل الإرهابيين بهدف فرض حصار طويل الأمد على المدينة، وراح ضحية عمليات التفخيخ واستهداف الحافلات، وغيرها، المئات من الضحايا. وثالثاً، تأمين مطار حلب الدولي الذي أستأنف عمله باستقباله أول رحلة قادمة من دمشق في 19 شباط، منذ أسبوعين بعد توقفه عن النقل المدني بشكل كامل منذ عام 2012. وهو ما سيسهم مباشرة في زيادة وتيرة حركة النقل الجوي المدني والتجاري ويحقق دفعة قوية لعجلة السياحة والاقتصاد في المدينة.

ويعول على “حلب” كثيراً في المرحلة المقبلة، في حال تمكنت المدينة من إعادة تفعيل محركات مصانعها ومعاملها التي طال الإرهاب والتخريب معظمها، ويمهد لذلك طوق الأمان الذي فرضه الجيش السوري حول المدينة، باستكمال العمليات باتجاه إدلب.

 

شاهد أيضاً

ارتفاع أسعار الذهب

شام تايمز – متابعة ارتفعت أسعار الذهب، اليوم الخميس، مدعومة بضعف الدولار، فيما يترقب المستثمرون …